كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وعن عمران بن حصين قال: أسر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلًا من عقيل فأوثقوه وكانت ثقيف قد أسرت رجلين من أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم ففداه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرجلين اللذين أسرتهما ثقيف.
قوله تعالى: {ذلك} يجوز أن يكون خبر مبتدإ مضمر. أي: الأمر ذلك وأن ينتصب بإضمار افعلوا قال الرازي: ويحتمل أن يقال: ذلك واجب. أو مقدّم كما يقول القائل إن فعلت فذاك. أي: فذاك مقصود ومطلوب. قال المفسرون: ومعناه ذلك الذي ذكرت وبينت من حكم الكفار.
{ولويشاء الله} أي: الملك الأعظم الذي له جميع الكمال {لاتنصر منهم} أي: بنفسه من غير أحد انتصارًا عظيمًا. فيهلكهم بأن لا يبقي منهم أحدًا وكفاكم أمرهم بغير قتال.
{ولكن} أمركم بذلك {ليبلو} أي يختبر {بعضكم ببعض} أي يفعل في ذلك فعل المختبر. ليرتب عليه الجزاء فيصير من قتل من المؤمنين إلى الجنة ومن قتل من الكافرين إلى النار.
فإن قيل: فما فائدة الابتلاء مع حصو ل العلم عند المبتلي. فإذا كان الله تعالى عالمًا بجميع الأشيئاء فأي فائدة فيه؟
أجيب: بأن هذا السؤال كقول القائل: لم عاقب الكافر وهو مستغن؟ ولم خلق النار محرقة وهو قادر على أن يخلقها بحيث تنفع ولا تضرّ؟ وجوابه: {لا يسئل عما يفعل}.
. ونزل يوم أحد لما فشا في المسلمين القتل والجراحات {والذين قتلوا في سبيل الله} أي: لأجل تسهيل طريق الملك الأعظم المتصف بجميع صفات الكمال {فلن يضلّ} أي: لا يضيع ولا يبطل {أعمالهم} وقرأ أبو عمرو وحفص: بضم القاف وكسر التاء مبنيًا للمفعول على معنى أنه أصاب القتل بعضهم كقوله تعالى: {قاتل معه ربيون}.
والباقون بفتح القاف والتاء وألف بينهما أي جاهدوا.
{سيهديهم} أي أيام حياتهم في الدنيا إلى أرشد الأمور. وفي الآخرة إلى الدرجات بوعد لا خلف فيه {ويصلح بالهم} أي يرضي خصماءهم. ويقبل أعمالهم {ويدخلهم الجنة} أي: الكاملة في النعيم {عرفها} أي: أعلمها. وبينها {لهم} أي: بما يعلم به كل أحد منزلته ودرجته من الجنة قال مجاهد: يهتدي أهل الجنة إلى مساكنهم منها لا يخطئون كأنهم كانوا سكانها منذ خلقوا. يستدلون عليها وعن مقاتل: أنّ الملك الذي وكل بحفظ عمله في الدنيا يمشي بين يديه فيعرفه كل شيء أعطاه الله تعالى وعن ابن عباس رضي الله عنهما: عرفها لهم: طيبها مشتق من العرف وهو الريح الطيبة يقال طعام معرف أي: مطيب.
{يا أيها الذين آمنوا} أي: أقرّوا بذلك {إن تنصروا الله} أي: دينه ورسوله صلى الله عليه وسلم {ينصركم} أي: على عدوّكم فإنه الناصر لا غيره. من عدد أو عدد. ويثبت أقدامكم أي في القيام بحقوق الإسلام والمجاهده مع الكفار ولما بين تعالى ما لأهل الإيمان بين ما لأهل الكفران بقوله تعالى: {والذين كفروا} وهو مبتدأ أي: ستروا ما دل عليه العقل. وقادت إليه الفطرة الأولى. وخبره تعسوا يدل عليه قوله تعالى: {فتعسًا لهم} أي: هلاكًا لهم وخيبة من الله تعالى. وقال ابن عباس: أي بعدًا لهم وقيل التعس الجرّ على الوجه. والنكس: الجرّ على الرأس وقوله تعالى: {وأضل أعمالهم} عطف على تعسوا أي: أبطلها وإن كانت ظاهرة الإتقان؛ لأجل تضييع الأساس وهو الإيمان. وقوله تعالى: {ذلك} يجوز أن يكون مبتدأ والخبر الجار بعده. أو خبر مبتدأ مضمر. أي: الأمر ذلك {بأنهم} أي: بسبب أنهم {كرهوا ما أنزل الله} أي: الملك الأعظم الذي لا نعمة إلا منه من القرآن وما أنزل الله تعالى فيه من التكاليف والأحكام لأنهم قد ألفوا الإهمال وإطلاق العنان في الشهوات والملاذّ فشق عليهم ذلك. وتعاظمهم والذي أنزله من القرآن وغيره هو روح الوجود الذي لا بقاء بدونه فلما كرهوا الروح الأعظم بطلت أرواحهم فتبعتها أشباحهم وهو معنى قوله تعالى مسببًا بيانًا لمعنى إضلال أعمالهم {فأحبط} أي: أبطل إبطالًا لاصلاح معه {أعمالهم} بسبب: أنهم أفسدوها بنياتهم فصارت وإن كانت صورها صالحة ليس لها أرواح لكونها واقعة على غير ما أمر به الله الذي لا أمر إلا له. ولا يقبل من العمل إلا ما حدّه ورسمه ثم خوّف الكفار بقوله تعالى: {أفلم يسيروا في الأرض} أي: التي فيها آثار الوقائع {فينظروا كيف كان عاقبة} أي: آخر أمر {الذين من قبلهم دمّر الله} أي: أوقع الملك الأعظم الهلاك {عليهم} بما عم أهاليهم وأموالهم. وكل من رضي أفعالهم أو مقالهم. وعدل عن أن يقول ولهؤلاء إلى قوله تعالى: {وللكافرين} تعميمًا وتعليقًا للحكم بالوصف وهو العراقة في الكفر {أمثالها} أي: أمثال عاقبة من قبلهم.
{ذلك} أي: الأمر العظيم وهو نصر المؤمنين وقهر الكافرين. {بأن الله} أي: بسبب أنّ الملك الأعظم المحيط بصفات الكمال {مولى} أي: ولي وناصر {الذين آمنوا} فهو يفعل معهم بما له من الجلال والجمال ما يفعل القريب بقريبه الحبيب له قال القشيري: ويصح أن يقال: أرجى آية في القرآن هذه الآية؛ لأن الله تعالى لم يقل إنه هادي العباد وأصحاب الأو راد والاجتهاد بل علق ذلك بالإيمان {وأنّ الكافرين} أي: العريقين في هذا الوصف.
{لا مولى لهم} فيدفع العذاب عنهم وهذا لا يخالف قوله تعالى: {وردّوا إلى الله مو لاهم الحق}.
فإنّ المولى فيه بمعنى المالك ثم ذكر سبحانه وتعالى ما للفريقين بقوله تعالى: {إنّ الله} أي الذي له جميع الصفّات {يدخل الذين آمنوا} أي: أوقعوا التصديق {وعملوا} تصديقًا لما ادعوا أنهم أوقعوه {الصالحات} أي: الطاعات {جنات} أي: بساتين عظيمة الشأن موصوفة بأنها {تجري من تحتها} أي: من تحت قصورها {الأنهار} فهي دائمة النمو والبهجة والنضارة والثمرة {والذين كفروا يتمتعون} أي: في الدنيا بالملاذ. كما تتمتع الأنعام ناسين ما أمر الله تعالى به معرضين عن كتابه.
{ويأكلون} على سبيل الاستمرار {كما تأكل الأنعام} أي: أكل التذاذ ومرح من أيّ موضع كان وكيف الأكل من غير تمييز الحرام من غيره. إذ ليس لهم همة إلا بطونهم وفروجهم. لا يلتفتون إلى الآخرة؛ لأن الله تعالى أعطاهم الدنيا. ووسع عليهم فيها. وفرغهم لها حتى شغلتهم عنه هو أنا بهم وبغضًا لهم فيدخلهم نارًا وقودها الناس والحجارة كما قال تعالى: {والنار مثوى لهم} أي: منزل ومقام ومصير ولما ضرب الله تعالى لهم مثلًا بقوله تعالى: {أفلم يسيروا في الأرض} ولم ينفعهم مع ما تقدم من الدلائل ضرب للنبيّ صلى الله عليه وسلم مثلًا تسلية له. فقال تعالى: {وكأين} أي: وكم {من قرية} أريد أهلها أي: كذبت رسولها {هي أشد قوة} وأكثر عددًا {من قريتك} مكة أي: أهلها وقوله تعالى: {التي أخرجتك} روعي فيه لفظ قرية وقوله تعالى: {أهلكناهم} أي: بأنواع العذاب روعي فيه معنى قرية الأول {فلا ناصر لهم} يدفع عنهم الهلاك. كذلك نفعل بهم فاصبر كما صبر رسلهم قال ابن عباس: لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة إلى الغار التفت إلى مكة وقال أنت أحب أرض الله إلى الله وأحب بلاد الله إليّ ولوأنّ المشركين لم يخرجوني لم أخرج منك فأنزل الله تعالى هذه.
{أفمن كان} أي: في جميع أحواله {على بينة} أي: حجة ظاهرة البيان في أنها حق {من ربه} أي: المربي والمدبر له المحسن إليه وهم النبيّ صلى الله عليه وسلم والمؤمنون {كمن زين له} بتزيين الشيطان بتسليطنا له عليه {سوء عمله} فراه حسنًا وهم: أبو جهل والكفار {واتبعوا أهواءهم} في ذلك ولا شبهة لهم في شيء من أعمالهم السيئة فضلًا عن دليل ولما تكرّر ذكر الجنة في هذه السورة بين صفتها. بقوله تعالى: {مثل} أي: صفة {الجنة} أي: البساتين العظيمة التي تستر داخلها من كثرة أشجارها {التي وعد المتقون} أي: الذين حملتهم تقواهم بعد الوقوف عن فعل لم يدلّ عليه دليل على أن استمعوا منك فانتفعوا بما دللتهم عليه من أمور الدين.
تنبيه: اختلف في إعراب هذه الآية على أوجه:
أحدها: أن {مثل} مبتدأ وخبره مقدّر. قدره النضر بن شميل: مثل الجنة ما تسمعون. فما تسمعون خبره و{فيها أنهار} مفسر له. وقدّره سيبويه: فيما يتلى عليكم مثل الجنة. والجملة بعدها أيضًا مفسرة للمثل.
ثانيها: أن {مثل} زائدة تقديره: الجنة التي وعد المتقون {فيها أنهار} ونظير زيادة {مثل} هنا زيادة اسم في قول القائل:
إلى الحول ثم اسم السلام عليكما

ثالثها: أنّ مثل الجنة مبتدأ. والخبر: قوله تعالى: {كمن هو خالد في النار} فقدّره ابن عطية: أمثل أهل الجنة كمن هو خالد فقدر حرف الأنكار ومضافًا ليصح وقدّره الزمخشريّ: أمثّل الجنة كمثل جزاء من هو خالد. والجملة من قوله تعالى: {فيها أنهار} حال من الجنة أي: مستقرّة فيها أنهار {من ماء} ولما كان ماء الدنيا مختلف الطعوم. مع اتحاد الأرض ببساطها. وشدّة اتصالها. للدلالة على أنّ فاعل ذلك قادر مختار وقد يكون اسنًا أي: متغيرًا عن الماء الذي يشرب بريح منتنة من أصل خلقته. أو من عارض عرض له من منبعه. أو مجراه قال تعالى: {غير آسن} أي: ثابت له في وقت ما شيء من الطعم. أو اللون. أو الريح بوجه من الوجوه وإن طالت إقامته وإن أضيف إليه غيره فإنه لا يقبل التغير بوجه بخلاف ماء الدنيا فيتغير لعارض وقرأ ابن كثير: بقصر الهمزة والباقون: بمدّها وهما لغتان {وأنهار من لبن} ولما كان التغير غير محمود قال تعالى: {لم يتغير طعمه} أي: بنفسه عن أصل خلقته وإن أقام مدى الدهر بخلاف لبن الدنيا. لخروجه من الضرع وهذا يفهم: أنهم لوأرادوا تغييره لشهوة اشتهوها تغير. وأنه مع طيبه على أنواع كثيرة. كما كان في الدنيا متنوعًا {وأنهار من خمر} ولما كان الخمر يكره طعمها وإنما يشربها شاربوها لأثرها. وإنه متى تغير طعمها زال اسمها عرّف أنّ كل ما في خمر الجنة في غاية الحسن. غير متعرّض لطعم فقال تعالى: {لذة} أي: لذيذة {للشاربين} في طيب الطعم. وحسن العاقبة بخلاف خمر الدنيا فإنها كريهة عند الشرب {وأنهار من عسل} ولما كان عسل الدنيا لا يوجد إلا مخلوطًا. لخروجه من بطون النحل بالشمع. وغيره من القذى قال تعالى: {مصفى} أي: هو صاف صفاء ما اجتهد في تصفيته من ذلك وهذا الوصف ثابت له دائمًا لا انفكاك له في وقت ما.
تنبيه: قال أبو حيان في حكمة ترتيب هذه الأنهار: إنه بدأ بالماء الذي لا تستغني عنه المشروبات. ثم باللبن إذ كان يجري مجرى المطعومات في كثير من أوقات العرب. ثم بالخمر لأنه إذا حصل الريّ والمطعم. تشوّقت النفس إلى ما تلتذ به. ثم بالعسل لأن فيه الشفاء في الدنيا مما يعرض من المطعوم والمشروب. ا. ه. فإن قيل ما الحكمة في قوله تعالى في الخمر: {لذة للشاربين} ولم يقل في اللبن لم يتغير طعمه للطاعمين. ولا قال في العسل مصفى للناظرين. أجاب الرازي: بأنّ اللذة تختلف باختلاف الأشخاص فرب طعام يلتذ به شخص. ويعافه الآخر. فقال: لذة للشاربين بأسرهم. ولأن الخمر كريهة الطعم في الدنيا فقال: لذة أي: لا يكون في خمر الآخرة كراهة الطعم. وأمّا الطعم واللون فلا يختلف باختلاف الناس. فإنّ الحلو والحامض وغيرهما يدركه كل أحد لكن قد يعافه بعض الناس. ويلتذ به البعض مع اتفاقهم على أنّ له طعمًا واحدًا. وكذلك اللبن فلم يكن للتصريح بالتعميم حاجة.
فائدة: روي عن كعب الأحبار أنه قال: نهر دجلة نهر ماء أهل الجنة ونهر الفرات نهر لبنهم ونهر مصر نهر خمرهم ونهر سيحان وجيجان نهر عسلهم وهذه الأنهار الأربعة. تخرج من نهر الكوثر وقال ابن عبد الحكم في فتوح مصر: إن كعب الأحبار سئل هل تجد لهذا النيل في كتاب الله عز وجلّ خبرًا فقال أي: والذي فلق البحر لموسى إني أجده في كتاب الله تعالى أنّ الله عز وجلّ يوحي إليه في كل عام مرتين يوحى إليه عند جريه أنّ الله يأمرك أن تجري فيجري ما كتب الله تعالى له ثم يوحى إليه بعد ذلك يا نيل غر حميدًا وعن كعب أيضًا أنه قال: أربعة أنهر من الجنة. وضعها الله تعالى في الدنيا فالنيل: نهر العسل في الجنة. والفرات: نهر الخمر في الجنة. وسيحان: نهر الماء في الجنة. وجيجان: نهر اللبن في الجنة وعنه أيضًا أنه قال: النيل في الآخرة لبنًا. أغزر ما يكون من الأنهار التي سمى الله عز وجل. والفرات خمر أغزر ما يكون من الأنهار التي سمى الله عز وجلّ. وجيجان ماء أغزر ما يكون من الأنهار التي سمى الله عز وجل وأصل هذا كله ما في الصحيح في وصف الجنة عن أبي هريرة أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال سيحان وجيجان والنيل والفرات من أنهار الجنة ولما كانت الثمار ألذ مستطاب بعد منافع الشراب قال تعالى: {ولهم فيها} وقوله تعالى: {من كل الثمرات} فيه وجهان أحدهما: أنّ هذا الجار صفه لمقدر. ذلك المقدر مبتدأ. وخبره الجار قبله. وهو لهم وفيها متعلق بما تعلق به والتقدير ولهم فيها زوجان من كل الثمرات كأنه انتزعه من قوله تعالى: {فيهما من كل فاكهة زوجان} وقدّره بعضهم صنف والأول كما قال ابن عادل أليق ثانيهما أن {من} مزيدة في المبتدأ.
{ومغفرة من ربهم} فهو راض عنهم مع إحسانه إليهم بما ذكر. بخلاف سيد العبيد في الدنيا فإنه قد يكون مع إحسانه إليهم ساخطًا عليهم وقوله تعالى: {كمن هو خالد في النار} خبر مبتدأ مقدّر أي: أمن هو في هذا النعيم. كمن هو مقيم إقامة لا انقطاع معها في النار التي لا ينطفئ لهيبها. ولا ينفك أسيرها. ووحده لأن الخلود يعم من فيها على حدّ سواء. {وسقوا} أي: عوض ما ذكر من شراب أهل الجنة {ماء حميمًا} هو في غاية الحرارة {فقطع أمعاءهم} أي: مصارينهم. فخرجت من أدبارهم وهو جمع مع بالقصر وألفه عن ياء لقولهم معيان.
{ومنهم من يستمع إليك} أي: في خطب الجمعة. وهم المنافقون والضمير في قوله تعالى: {ومنهم} يحتمل أن يعود إلى الناس كما قال تعالى في سورة البقرة {ومن الناس من يقول امنا بالله}.
بعد ذكر الكفار ويحتمل أن يعود إلى أهل مكة؛ لأن ذكرهم سبق في قوله تعالى: {هي أشدّ قوة من قريتك التي أخرجتك} ويحتمل أن يرجع إلى معنى قوله تعالى: {هوخالد في النار وسقوا ماء حميما} أي: ومن الخالدين في النار قوم يستمعون إليك {حتى إذا} أي: واستمر جهلهم لأنفسهم في الإصغاء حتى إذا {خرجوا} أي: المستمعون والسامعون {من عندك قالوا} أي: الفريقان تعاميًا واستهزاءً.
{للذين أوتوا العلم} بسبب تهيئة الله تعالى لهم من صفاء الأفهام بتجردهم عن النفوس والحظوظ. وانقيادهم لما تدعوإليه الفطرة الأولى. منهم ابن مسعود وابن عباس {ماذا قال} أي: النبيّ صلى الله عليه وسلم {آنفًا} أي: قبل افتراقنا وخروجنا عنه روى مقاتل: أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم كان يخطب ويعيب المنافقين فإذا خرجوا من المسجد سألوا عبد الله بن مسعود استهزاء ماذا قال محمد آنفًا أي الساعة. أي: لا ترجع إليه وقرأ البزي بقصر الهمزة بخلاف عنه والباقون بالمدّ وهما لغتان بمعنى واحد وهما اسما فاعل كحاذر وحذر. {أولئك} أي: البعداء من كل خير {الذين طبع الله} أي: الملك الأعظم {على قلوبهم} أي: بالكفر فلم يفهموا فهم انتفاع؛ لأن مثل هذا الجمود لا يكون إلا بذلك {واتبعوا} أي: بغاية جهدهم.
{أهواءهم} أي: في الكفر والنفاق. فلذلك هم يتهاونون بأعظم الكلام. ويقبلون على جمع الحطام. فهم أهل النار المشار إليهم قبل آية {مثل الجنة} بأنهم {زين لهم سوء عملهم} ثم ذكر تعالى أضداد هؤلاء.
بقوله سبحانه: {والذين اهتدوا} أي: اجتهدوا باستماعهم منك في الإيمان. والتسليم والإذعان بأنواع المجاهدات وهم المؤمنون أي: الله الذي طبع على قلوب الكفرة. {هدى} بأن شرح صدورهم. ونورها بأنوار المشاهدات. فصارت أو عية للحكمة {وآتاهم تقواهم} أي: ألهمهم ما يتقون به النار. قال ابن برحان: التقوى عمل الإيمان كما أن أعمال الجوارح عمل الإسلام.